اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 213
ويستقيم الكلام، وقيل: المعنى أنه في عمل الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِينَ، فالكلام على حذف مضاف.
وقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، العامل في إِذْ اصْطَفَيْناهُ، وكان هذا القول من الله حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس. والإسلام هنا على أتم وجوهه، وقرأ نافع وابن عامر «وأوصى» ، وقرأ الباقون وَوَصَّى، والمعنى واحد، إلا أن وصى يقتضي التكثير، والضمير في بِها عائد على كلمته التي هي أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ، وقيل: على الملة المتقدمة، والأول أصوب لأنه أقرب مذكور، وقرأ عمرو بن فائد الأسواري «ويعقوب» بالنصب على أن يعقوب داخل فيمن أوصى، واختلف في إعراب رفعه، فقال قوم من النحاة: التقدير ويعقوب أوصى بنيه أيضا، فهو عطف على إِبْراهِيمُ، وقال بعضهم: هو مقطوع منفرد بقوله يا بَنِيَّ، فتقدير الكلام ويعقوب قال يا بني، واصْطَفى هنا معناه تخير صفوة الأديان، والألف واللام في الدِّينَ للعهد، لأنهم قد كانوا عرفوه، وكسرت إِنَّ بعد وَصَّى لأنها بمعنى القول، ولذلك سقطت «إن» التي تقتضيها «وصى» في قوله «أن يا بني» ، وقرأ ابن مسعود والضحاك «أن يا بني» بثبوت أن.
وقوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إيجاز بليغ، وذلك أن المقصود منه أمرهم بالإسلام والدوام عليه، فأتى ذلك بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى؟ فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه، فقد توجه من وقت الأمر دائبا لازما، وحكى سيبويه فيما يشبه هذا المعنى قولهم: لا أرينك هاهنا، وليس إلى المأمور أن يحجب إدراك الأمر عنه، فإنما المقصود: اذهب وزل عن هاهنا، فجاء بالمقصود بلفظ يزيد معنى الغضب والكراهية، وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ابتداء وخبر في موضع الحال.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2) : الآيات 133 الى 135]
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
هذا الخطاب لليهود والنصارى الذين انتحلوا الأنبياء صلوات الله عليهم ونسبوهم إلى اليهودية والنصرانية، فرد الله تعالى عليهم وكذبهم، وأعلمهم أنهم كانوا على الحنيفية والإسلام، وقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم؟، أي لم تشهدوا بل أنتم تفترون، وأَمْ تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية، وحكى الطبري أن أَمْ يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره، وهذا منه، ومنه أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [يونس: 38، هود: 13، 35، السجدة: 3، الأحقاف: 8] ، وقال قوم: أَمْ بمعنى بل، والتقدير بل شهد أسلافكم يعقوب وعلمتم منهم ما أوصى به، ولكنكم كفرتم جحدا ونسبتموهم إلى غير الحنيفية عنادا، والأظهر أنها التي
اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 213